مراحل تغير لون الطفل
عند ولادة الطفل، يكون لون جلده أحمر داكن مائلاً إلى اللون البنفسجي، ومع بدء الطفل بالتنفس، يتغير هذا اللون إلى الأحمر. عادةً ما يبدأ اللون الأحمر بالاختفاء في خلال اليوم الأول، وقد يظل لون الأطراف أزرق في الأيام الأولى من الولادة، ويعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا. ومع ذلك، إذا ظهر اللون الأزرق -غير الطبيعي- على الجلد والأغشية المخاطية، فإن ذلك يشير إلى الزرقة (cyanosis) ويمكن أن يكون نتيجة لتشوهات قلبية لدى الأطفال. كما يمكن أن يحدث الزرقة بسبب مشاكل التنفس. في هذا المقال، سنتناول الأسباب القلبية التي تؤدي إلى الزرقة.
أمراض القلب الخلقية
تعتبر أمراض القلب الخلقية تشوهات تؤثر في بنية القلب أو الأوعية الكبيرة المتصلة بالقلب أثناء نمو الجنين، وتعد من أكثر التشوهات شيوعًا عند الولادة وتعتبر السبب الرئيسي لوفيات الأطفال الذين يعانون من تشوهات خلقية.
هناك أنماط متعددة لهذه التشوهات، وقد لا تصاحب بعضها الزرقة، ولكن في حالة وجود الزرقة، فإنها تعتبر أمراض قلب خلقية حرجة (critical congenital heart disease).
تصيب أمراض القلب الخلقية حوالي 8-9 أطفال من كل 1000 طفل مولود، وتشكل حوالي 25% من حالات أمراض القلب الخلقية الحرجة (مزرقة).
الدورة الدموية لجسم الإنسان
لفهم أسباب الزُّرقة والأمراض القلبية المزرقة، دعنا نبدأ بتشريح القلب الطبيعي. يوجد القلب في التجويف الصدري بين الرئتين ويتكون من أربعة حجرات: اثنتان علويتان (الأذينتان) واثنتان سفليتان (البطينان). يُقسم القلب أيضًا إلى الجانب الأيمن والجانب الأيسر. ينطلق الشريان الرئيسي من البطين الأيسر ويسمى الشريان الأورطي، ويحمل الدم الأكسجيني من القلب إلى بقية أجزاء الجسم، ثم يعود الدم المنخفض بالأكسجين إلى القلب الأيمن عبر وريدين كبيرين. يتجه الدم بعد ذلك من البطين الأيمن إلى الرئة عبر شريان كبير يسمى الجذع الرئوي، حيث يتم إعادة تشبعه بالأكسجين، ثم يعود إلى القلب الأيسر لاستكمال دورته في الجسم.
أسباب تحول لون الجلد إلى الأزرق
تحدث الزرقة نتيجة للأمراض القلبية الخلقية التي تؤثر في تدفق الدم من القلب إلى الرئتين، مما يجعل الدم أقل تشبعًا بالأكسجين.
1- تبادل منشأ الأوعية الكبيرة (Transposition of the Great Arteries)
واحدة من الأمراض القلبية الخلقية الأكثر شيوعًا التي تتسبب في الزرقة مباشرة بعد الولادة هي تبادل منشأ الأوعية الكبيرة (Transposition of the Great Arteries) أو TGA. في هذا التشوه، يحدث تبادل في منشأ الشريان الأبهر والشريان الرئوي، حيث يكون الشريان الأبهر متصلاً بالبطين الأيمن بدلاً من الأيسر، والشريان الرئوي متصلاً بالبطين الأيسر بدلاً من الأيمن. يظهر هذا التشوه بتلون الشفاه والجلد والأظافر باللون الأزرق، وصعوبة إطعام الطفل وتسرع في التنفس.يتطلب الأطفال المصابون بهذا التشوه تدخلاً سريعًا خلال بضع ساعات من الولادة في حوالي ثلث الحالات، نظرًا لانخفاض مستويات الأكسجين لديهم بشدة. يحتاج جميع الأطفال المولودين بتبادل منشأ الأوعية الكبيرة إلى جراحة لإصلاح هذا التشوه، وعادة ما يتم إجراء الجراحة خلال الأيام القليلة التالية للولادة. بدون الجراحة، يصعب على معظم هؤلاء المرضى البقاء على قيد الحياة بعد عامهم الأول.
2- رتق مثلث الشرف (Tricuspid atresia)
هناك أسباب أخرى قد تسبب الزرقة أيضًا، مثل تشوه يسمى رتق مثلث الشرف (Tricuspid atresia)، وهو تشوه قلبي يوجد منذ الولادة. يحدث هذا التشوه بسبب انسداد في منطقة مثلث الشرف التي تسمح بتدفق الدم من الأذينة اليمنى إلى البطين الأيمن. نتيجة لهذا الانسداد، لا يتم ضخ الدم إلى البطين الأيمن الذي يمد الدم إلى الرئتين، وبالتالي يتواجه المرضى المصابون بهذا التشوه بصعوبة في التنفس، وتعب سريع خاصة أثناء الأكل، وتأخر في النمو وضعف في اكتساب الوزن.3- رباعي فالوت (Tetralogy of Fallot)
هناك تشوه آخر يُعد من أكثر التشوهات القلبية المزرقة شيوعًا، ولكنه قد لا يتسبب في ظهور الزرقة عند الولادة مباشرة، ويُسمى رباعي فالوت (Tetralogy of Fallot). ويُطلق عليه هذا الاسم نظرًا لاحتوائه على أربعة تشوهات مجتمعة في بنية القلب. نتيجة لهذه التشوهات، يتدفق الدم القليل المشبع بالأكسجين من البطين الأيمن إلى البطين الأيسر عبر فتحة في الحاجز بينهما، مما يؤدي إلى وصول كمية قليلة من الدم غير المشبع بالأكسجين إلى باقي الجسم عبر الشريان الأورطي.عادةً ما يتم تشخيص هذا التشوه في سن الرضاعة، ولكن في حالات خفيفة قد لا يتم اكتشافه إلا بعد فترة طويلة من الحياة، ويعتمد ذلك على شدة التشوه والأعراض السريرية. في حالة التشخيص المبكر المرتبط بعلاج جراحي مناسب، يعيش معظم الأطفال والبالغين المصابين برباعي فالوت حياة طبيعية نسبيًا، ولكن بالطبع يحتاجون إلى متابعة طبية منتظمة طوال حياتهم.
نظرًا لاحتمال عدم الكشف عنه عند الولادة، قد يعاني الطفل من ازرقاق يظهر بعد الولادة إذا ترافق هذا التشوه مع انسداد مخرج الشريان الرئوي (رتق الدسام الرئوي).
ما الحالات الطبية التي يمكن أن تزيد من احتمالية حدوث التشوهات القلبية؟
هناك عدة حالات طبية يمكن أن تزيد من احتمالية حدوث التشوهات القلبية:
- تعرض الأم للمواد الكيميائية: يمكن أن يزيد تعرض الأم للمواد الكيميائية الضارة خلال فترة الحمل من احتمالية حدوث التشوهات القلبية. وتشمل هذه المواد الكيميائية مثل المواد السامة والعقاقير الضارة.
- العدوى الحصبة الألمانية: إصابة الأم بعدوى الحصبة الألمانية خلال فترة الحمل يمكن أن تزيد من فرص حدوث التشوهات القلبية للجنين.
- عدم ضبط سكر الدم: لدى الأم المصابة بالسكري، عدم ضبط مستويات السكر في الدم خلال فترة الحمل يمكن أن يزيد من احتمالية حدوث التشوهات القلبية للجنين.
- تعاطي المخدرات وبعض الأدوية: تعاطي المخدرات أو بعض الأدوية الضارة خلال فترة الحمل يمكن أن يزيد من احتمالية حدوث التشوهات القلبية.
- بعض المتلازمات الجينية: توجد بعض المتلازمات الجينية مثل متلازمة داون ومتلازمة التثلت الصبغي 13 ومتلازمة تورنر وغيرها، وترتبط هذه المتلازمات بزيادة احتمالية حدوث التشوهات القلبية.
يجب ملاحظة أن هذه العوامل ليست السبب الوحيد لحدوث التشوهات القلبية، ولا يعني وجودها بالضرورة حدوث التشوهات القلبية، فهناك عوامل أخرى محتملة قد تؤثر أيضًا. يُنصح دائمًا بالاستشارة الطبية والمتابعة الدورية خلال فترة الحمل لتقييم صحة الجنين والوقاية من التشوهات القلبية وغيرها من التشوهات الخلقية.
علاج تشوهات القلب
العلاج المناسب لتشوهات القلب يتطلب عادة إجراء جراحة. هناك عدة إجراءات جراحية مختلفة تتوافق مع نوع التشوه القلبي المشخص. يمكن إجراء الجراحة على الفور بعد الولادة أو قد يتم تأجيلها لفترة لاحقة اعتمادًا على حالة الطفل وتطوره. يمكن أيضًا استخدام الأدوية لتحسين وظيفة القلب وتقليل الأعراض المرتبطة بالتشوه القلبي.
مع الزمن، يتحسن معدل بقاء الأطفال المصابين بتشوهات القلب الخلقية الحرجة. يُقدر أن حوالي 75٪ من الأطفال يعيشون لمدة عام بعد الولادة، ونسبة البقاء على قيد الحياة لمدة 18 عامًا تصل إلى 69٪. ومع ذلك، قد يتعرض الأطفال لمضاعفات محتملة مثل تأخر النمو وقصور القلب واضطرابات ضربات القلب. يتطلب ذلك متابعة طبية مستمرة للتعامل مع هذه المشاكل وتوفير الرعاية اللازمة للأطفال المتأثرين.