تحكم القوانين والآداب جميع المهن، ولكنها أشمل وأوضح في المهن الطبية. وقد فرض التقدم المطرد في الطب والعلوم ذات العلاقة، اهتماما كبيرا لتطويرها على الدوام.
وبسبب قلة الاهتمام حديثا بمعايير قبول الطلبة في كليات الطب وزيادة أعداد الطلبة المقبولين في معظم كليات الطب، بالإضافة إلى التوسع المتنامي في تدربس العلوم الطبية السريرية لهم، فقد فرض ذلك عبئا عليها للتعامل مع هذا الواقع الجديد في مجال وضع القوانين الطبية وآداب الطب في مناهچها.
وعلى الرغم من التسليم بضرورة تعليم القوانين الطبية وآداب الطب لطلبة الطب، وحتمية التزام جميع الأطباء بها، إلا أن عددا قليلا من كليات الطب أخذت بالاعتبار ضرورة وضعها في مناهجها.
وهنا نسأل، هل من الضروري تعليم القوانين الطبية وآداب الطب للطلبة والأطباء المتدربين؟
وللإجابة على ذلك، دعونا نرى مدى معرفتنا بواجباتنا تجاه أي من الممارسات والوقائع التالية، على سبيل المثال لا الحصر، ومدى اتفاقها والقوانين الطبية وآداب الطب أو مخالفتها لها؟
الإبلاغ عن الأخطاء الطبية
الإبلاغ عن الأخطاء الطبية التي لم ينجم عنها أي ضرر
من واجب الطبيب الإبلاغ عن أي خطأ طبي، سواء نجم عنه ضرر أم لا. فالإبلاغ عن هذه الأخطاء يساعد على تحسين جودة الرعاية الصحية والحد من تكرارها في المستقبل. ويجب على الطبيب تقديم تقرير مفصل إلى إدارة المستشفى والجهات الصحية والقضائية المعنية، بما في ذلك وصف للخطأ وملابساته والتدابير المتخذة لتصحيحه.
الإبلاغ عن الأخطاء الطبية التي ألحقت أضرارا بالمرضى
في حالة حدوث أخطاء طبية تسبب ضررا للمرضى، يجب على الطبيب المعالج الإبلاغ الفوري والدقيق عن هذه الحالات إلى إدارة المستشفى والجهات الصحية والقضائية المسؤولة. ويشمل ذلك تقديم جميع المعلومات والوثائق ذات الصلة، والتعاون الكامل مع التحقيقات لضمان حصول المريض على التعويض والرعاية المناسبة.
الإبلاغ عن الحالات الطبية القضائية
الإبلاغ عن الحالات الطبية القضائية (حالات الادعاء أو الاشتباه بوقوع جريمة) للشرطة أو الجهة القضائية المختصة:
عند الاشتباه أو وجود ادعاءات بوقوع جريمة ذات طابع طبي، مثل الاعتداء أو الإهمال أو الممارسة غير القانونية، يجب على الطبيب إبلاغ السلطات القضائية المختصة، مثل الشرطة أو النيابة العامة. ويشمل ذلك تقديم الأدلة الطبية ونتائج الفحوصات ذات الصلة بالتحقيق القضائي.
حالات إفشاء أسرار المرضى
ينبغي على الطبيب أن يعلم الحالات التي ينبغي عليه فيها إفشاء أسرار المرضى والحالات التي يمنع فيها ذلك:
إفشاء أسرار المرضى بقرار قضائي
يجب على الطبيب الحفاظ على سرية معلومات المرضى، إلا في الحالات التي يصدر فيها قرار قضائي يلزمه بالإفشاء عن هذه الأسرار. وفي هذه الحالة، يجب على الطبيب الالتزام بالقرار القضائي مع الحرص على حماية خصوصية المريض قدر الإمكان.
إفشاء أسرار المرضى المصابين بالأمراض المعدية إلى الجهات الصحية المسؤولة
من واجب الطبيب الإبلاغ عن الحالات المشتبهة أو المؤكدة للإصابة بالأمراض الخمجية المعدية والسارية إلى الجهات الصحية المسؤولة، مثل وزارة الصحة أو الهيئات الصحية المحلية. ويشمل ذلك تقديم المعلومات الضرورية لتعقب المخالطين واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لحماية الصحة العامة.
إفشاء أسرار المرضى المصابين بالأمراض المعدية إلى الزوجة أو الزوج
يجوز للطبيب إفشاء المعلومات الطبية للزوج أو الزوجة إذا كان المرض معديا ويشكل خطرا على صحة الشريك. ومع ذلك، يجب على الطبيب الحصول على موافقة المريض قدر الإمكان، وتقديم النصح والإرشاد للشريك بشأن الإجراءات الوقائية اللازمة.
إفشاء أسرار المرضى المصابين بالأمراض المعدية إلى أصحاب العمل
لا يجوز للطبيب إفشاء أسرار المرضى إلى أصحاب العمل دون موافقة صريحة من المريض. ومع ذلك، إذا كان المرض معديا وذو صلة مباشرة ببيئة العمل، فيجب على الطبيب تقديم النصح والإرشاد اللازمين لضمان سلامة مكان العمل دون الكشف عن هوية المريض.
إخفاء خطورة المرض أو الترجيح المميت عن المريض
من حق المريض معرفة حالته الصحية ومدى خطورة مرضه. لذلك، يجب على الطبيب إبلاغ المريض بتشخيصه وعلاجه وخيارات الرعاية المتاحة، بما في ذلك أي احتمالات أو مضاعفات مميتة. ويشمل ذلك مناقشة التوقعات الواقعية والآثار المترتبة على المرض.
استثناءات إبلاغ الأهل بخطورة المرض في حال عدم إبلاغ المريض
في بعض الحالات، قد يكون المريض قاصرا أو فاقد الأهلية القانونية، وفي هذه الحالات، قد يكون من المناسب إبلاغ الأهل أو الأوصياء القانونيين بخطورة المرض واتخاذ القرارات الطبية بالنيابة عن المريض. ومع ذلك، يجب على الطبيب بذل الجهود المعقولة للحصول على موافقة المريض أولا، واحترام رغباته قدر الإمكان.
مناقشة الحالة المرضية مع المريض أو ذويه على الهاتف
يمكن مناقشة الحالة المرضية مع المريض أو ذويه عبر الهاتف إذا كانت المعلومات المقدمة لا تنتهك خصوصية المريض ولا تتطلب فحصا جسديا أو تقييما مباشرا. ومع ذلك، يجب توخي الحذر عند مناقشة المعلومات السرية، والتأكد من هوية الشخص على الطرف الآخر من الخط.
مناقشة الحالة المرضية مع المريض عن طريق البريد الإلكتروني
يمكن استخدام البريد الإلكتروني لمناقشة الحالة المرضية مع المريض إذا تم ضمان سرية المعلومات وخصوصيتها. ويشمل ذلك استخدام وسائل التشفير الآمنة والحصول على موافقة المريض على هذا الأسلوب في التواصل. ومع ذلك، يجب على الطبيب توخي الحذر بشأن المعلومات الحساسة التي يتم مشاركتها عبر الإنترنت.
إخبار الزوج بمرض زوجته دون موافقتها، وبالعكس
لا يجوز للطبيب إخبار أحد الزوجين بمرض الآخر دون الحصول على موافقة واضحة وصريحة من المريض. ويشمل ذلك احترام سرية المعلومات الطبية وحق المريض في الخصوصية. ومع ذلك، قد يكون هناك استثناءات في الحالات التي ينص عليها القانون أو عندما يكون الإفصاح ضروريا لمنع ضرر جسيم.
تصوير مريض أو تصوير الآفة المرضية أو الجروح والإصابات دون إذن المريض:
لا يجوز تصوير المريض أو تصوير الآفة المرضية أو الجروح والإصابات دون الحصول على إذن واضح وصريح من المريض أو ولي أمره. ويعد ذلك انتهاكا لخصوصية المريض وحقوقه، وقد يترتب عليه عواقب قانونية.
معاينة أنثى قاصر بناء على طلب الشرطة أو بقرار قضائي دون موافقة وليها
يجوز للطبيب إجراء الفحص الطبي لأنثى قاصر دون موافقة ولي أمرها إذا كان الفحص مطلوبا بموجب قرار قضائي أو بناء على طلب الشرطة في حالات الطوارئ أو الاشتباه بوقوع جريمة. ومع ذلك، يجب على الطبيب ضمان حماية حقوق القاصر وسرية المعلومات الطبية.
الامتناع عن كتابة أمر إدخال المريض للمستشفى، أو طلبات الفحوصات بسبب القدرة المالية
لا ينبغي للطبيب الامتناع عن تقديم الرعاية الطبية اللازمة للمريض، بما في ذلك كتابة أوامر الإدخال إلى المستشفى أو طلبات الفحوصات الشعاعية والمخبرية، استنادا فقط إلى قدرة المريض المالية على تسديد التكاليف. ومن واجب الطبيب تقديم الرعاية الصحية المناسبة أولا، ومن ثم مناقشة الجوانب المالية مع المريض أو تحويله إلى الجهات التي يمكنها تقديم المساعدة المالية.
إجراء الأبحاث على أنسجة وسوائل الجسم دون معرفة ورضا المريض المسبق
لا يجوز للطبيب إجراء الأبحاث أو الدراسات على عينات أنسجة أو سوائل جسم المريض دون الحصول على موافقة مستنيرة منه. ويشمل ذلك شرح الغرض من البحث والمخاطر والفوائد المحتملة، والحصول على موافقة خطية. وفي حالة عدم القدرة على الحصول على الموافقة، يجب اتباع الإرشادات الأخلاقية والقانونية الخاصة بالأبحاث الطبية.
تجاوز الحد الأعلى للأجور المهنية للطبيب
يجب على الطبيب الالتزام بالحدود القصوى للأجور المهنية المقررة والمعلنة رسميا. ويشمل ذلك رسوم الفحوصات والاستشارات والعمليات الجراحية. وفي حالة وجود ظروف استثنائية، يمكن مناقشة هذه الرسوم مع المريض أو الجهات المعنية قبل تقديم الخدمة.
القيام بإجراء تشخيصي أو علاجي أو جراحي لغير ضرورة طبية
لا يجوز للطبيب إجراء أي تدخل طبي، سواء كان تشخيصيا أو علاجيا أو جراحيا، دون وجود ضرورة طبية مؤكدة. ويشمل ذلك الحصول على موافقة المريض المبنية على فهم واضح للتشخيص والعلاجات البديلة والمخاطر والفوائد المحتملة.
اشتراك الطبيب مع زميله في استشارة أو إجراء علاجي أو جراحي دون رضا المريض:
يجب على الطبيب الحصول على موافقة المريض المسبقة والمستنيرة قبل اشتراك أي طبيب آخر في علاجه أو إجراء الاستشارات أو التدخلات الطبية. ويشمل ذلك تقديم معلومات واضحة عن مؤهلات وخبرات الزميل المشارك، وضمان راحة المريض وموافقته على هذا الترتيب.وسوف نتناول في هذا الجزء من الكتاب البحث في هذه الموضوعات وغيرها في ضوء القوانين الأردنية، حتى يلتزم المعنيون من أطباء وغيرهم بما فرضته هذه القوانين إزاءها.
نصيحة مجلة الطب:
إن معرفة القوانين الطبية وآداب المهنة جانب بالغ الأهمية في ممارسة الطب. فهي تكفل حقوق المرضى والطاقم الطبي على حد سواء، وتضمن أعلى مستوى من الرعاية الصحية. في هذا القسم، سلطنا الضوء على بعض الجوانب والقضايا الشائعة التي قد يواجهها الأطباء وطلاب الطب، مع توضيح الإرشادات والقوانين الأردنية ذات الصلة.
من الضروري أن يدرك الأطباء واجباتهم ومسؤولياتهم القانونية والأخلاقية. فعلى سبيل المثال، الإبلاغ عن الأخطاء الطبية، حتى تلك التي لم ينتج عنها ضرر، هو أمر إلزامي وضروري لتحسين جودة الرعاية الصحية. كما أن الحفاظ على سرية معلومات المرضى هو مبدأ أساسي، ولكن هناك استثناءات، مثل الحالات التي قد تشكل خطرا على الصحة العامة، أو عندما يكون هناك أمر قضائي بالإفصاح.
بالإضافة إلى ذلك، ناقشنا أهمية الحصول على موافقة المريض المستنيرة واحترام خصوصيته. فمن حق المريض معرفة حالته الصحية واتخاذ القرارات بناء على معلومات واضحة. وفي نفس الوقت، يجب على الأطباء احترام رغبات المريض وحدود العلاقة الطبية.
كما تطرقنا إلى الجوانب المالية للممارسة الطبية، مؤكدين على أن قدرة المريض المالية لا يجب أن تكون عائقا أمام حصوله على الرعاية اللازمة. وفيما يتعلق بالأبحاث، فمن الضروري الحصول على الموافقة المستنيرة واحترام إرشادات الأبحاث الطبية الأخلاقية والقانونية.
إن الالتزام بالقوانين الطبية وآداب المهنة لا يضمن فقط ممارسة طبية أخلاقية، ولكنه يحمي أيضا الأطباء من العواقب القانونية السلبية. ونحن نشجع جميع طلاب الطب والأطباء، وخاصة في الأردن، على تعميق فهمهم لهذه الجوانب القانونية والأخلاقية لممارستهم الطبية.
الالتزام بالقوانين والآداب الطبية لا يضمن فقط أفضل رعاية للمرضى، ولكنه يحمي أيضا مصداقية المهنة وسلامة ممارسيها.