الجلوس: دليلك الشامل لاتخاذ أوضاع صحية
الجلوس هو نشاط نقوم به يوميًا، بدءًا من تناول وجبة الإفطار صباحًا وحتى الاسترخاء في المساء. وعلى الرغم من بساطة هذا الفعل، إلا أن له تأثيرًا كبيرًا على صحتنا. ففي عصر نمط الحياة المستقرة، حيث يقضي الكثير منا ساعات طويلة جالسين أمام الشاشات وفي وسائل النقل، أصبح من الضروري فهم تأثير الجلوس على أجسامنا وإيجاد طرق للتخفيف من آثاره السلبية.
في هذا المقال، سنستكشف معًا كل ما يتعلق بالجلوس وصحتك. بدءًا من أضرار الجلوس لفترات طويلة، مرورًا بالوضعيات الخاطئة والآثار المترتبة عليها، وانتهاءً بنصائح عملية لاتخاذ أوضاع صحية عند الجلوس، سواء في المنزل أو العمل أو أثناء التنقل.
أضرار الجلوس لفترات طويلة
الجلوس لفترات طويلة له تأثيرات سلبية متعددة على الجسم. فعلى عكس ما قد يظن البعض، لا يقتصر ضرر الجلوس على الشعور بالتعب والإرهاق فحسب، بل يمتد إلى العديد من الجوانب الصحية.
- مشاكل العمود الفقري: الجلوس لفترات طويلة، خاصة مع اتخاذ أوضاع غير صحية، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في العمود الفقري والرقبة. حيث يسبب ضغطًا على فقرات الظهر، مما قد يؤدي إلى انحناء العمود الفقري بمرور الوقت.
- آلام الظهر والرقبة: نتيجة للوضعيات الخاطئة أثناء الجلوس، قد تعاني من آلام مزمنة في الظهر والرقبة. وغالبًا ما تكون هذه الآلام ناتجة عن ضغط على الأعصاب أو تشنج في العضلات المحيطة بالعمود الفقري.
- ضعف الدورة الدموية: الجلوس لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى ضعف الدورة الدموية، خاصة في الساقين. وهذا قد يزيد من خطر الإصابة بتخثر الأوردة العميقة (DVT)، وهي حالة تتشكل فيها جلطات دموية في أوردة الساقين.
- السمنة: نمط الحياة المستقر الذي يتضمن الجلوس لفترات طويلة يمكن أن يساهم في زيادة الوزن والسمنة. حيث يرتبط الجلوس بانخفاض معدل حرق السعرات الحرارية، مما قد يؤدي إلى زيادة الدهون في الجسم بمرور الوقت.
- مشاكل القلب والأوعية الدموية: أظهرت الدراسات أن الجلوس لفترات طويلة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. حيث يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ومستويات الكوليسترول غير الصحية، مما يؤثر سلبًا على صحة القلب.
- السكري: يرتبط نمط الحياة المستقر أيضًا بزيادة خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري. حيث يؤثر الجلوس لفترات طويلة على قدرة الجسم على استخدام الأنسولين بشكل فعال، مما قد يؤدي إلى مقاومة الأنسولين وزيادة مستويات السكر في الدم.
- الاكتئاب: بالإضافة إلى الآثار الجسدية، يمكن أن يؤثر الجلوس لفترات طويلة على صحتنا العقلية. فقد أشارت الدراسات إلى وجود ارتباط بين الجلوس لفترات طويلة وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.
الجلوس على الأرض
الجلوس على الأرض هو وضع شائع في العديد من الثقافات، وغالبًا ما يكون جزءًا من الأنشطة اليومية مثل تناول الطعام أو الاسترخاء. وعلى الرغم من ذلك، فإن له بعض الآثار التي يجب أخذها في الاعتبار.
بالنسبة للأشخاص الذين اعتادوا على الجلوس على الكراسي، قد يسبب الجلوس على الأرض بعض عدم الراحة في البداية. حيث تتطلب هذه الوضعية مرونة في الوركين والركبتين والكاحلين. لذا، إذا كنت ترغب في اعتماد هذه العادة، فمن المهم أن تبدأ ببطء وأن تستمع إلى جسمك.
بالنسبة للنساء، هناك بعض الاعتبارات الإضافية. حيث يمكن أن يؤثر الجلوس على الأرض مع ثني الساقين تحت الجسم على صحة الحوض بمرور الوقت. لذا، يُنصح باتخاذ وضعيات بديلة مثل الجلوس مع ثني ساق واحدة جانباً أو الجلوس مع تدلي الساقين على جانبيك.
وضعيات الجلوس الخاطئة وتأثيرها على الصحة
اتخاذ أوضاع جلوس غير صحية يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من المشاكل الجسدية. وفيما يلي بعض أكثر الوضعيات الخاطئة شيوعًا وتأثيرها على الجسم:
- الانحناء للأمام: يميل الكثير منا إلى الانحناء للأمام أثناء الجلوس، سواء عند استخدام الهاتف أو الكمبيوتر. وهذا يمكن أن يسبب ضغطًا على الرقبة والعمود الفقري، مما يؤدي إلى آلام مزمنة وتشنجات عضلية.
- الانحناء للخلف: على النقيض من ذلك، قد يعتمد البعض على الانحناء للخلف أثناء الجلوس، خاصة عند الشعور بالتعب. ولكن هذه الوضعية يمكن أن تؤدي إلى ضغط على فقرات الظهر السفلية، مما قد يسبب آلامًا أسفل الظهر.
- ثني الساقين: وضع ساق فوق الأخرى هو وضعية شائعة أثناء الجلوس، ولكنها قد تؤدي إلى ضغط على أعصاب الفخذين، مما يسبب تنميلًا وألمًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر هذه الوضعية على الدورة الدموية في الساقين.
- الانحناء الجانبي: الانحناء الجانبي أثناء الجلوس يمكن أن يسبب عدم توازن في العمود الفقري، مما يؤدي إلى آلام في الظهر والرقبة. كما قد يسبب ضغطًا على الأضلاع، مما يؤثر على التنفس.
أوضاع الجلوس الصحية
للحفاظ على صحتك وتجنب المشاكل الجسدية، من المهم اتباع أوضاع جلوس صحية. وفيما يلي بعض النصائح لاتخاذ أوضاع جلوس صحية:
- الجلوس مع الظهر مستقيمًا: حافظ على استقامة ظهرك أثناء الجلوس، مع وضع قدميك مسطحة على الأرض. تأكد من أن ركبتيك ومنطقة الحوض في نفس المستوى، وأن كتفيك في وضعية مسترخية.
- استخدام الدعم: إذا كنت تقضي الكثير من الوقت جالسًا، ففكر في استخدام وسادة دعم للظهر. حيث يمكن أن تساعد في الحفاظ على استقامة الظهر وتخفيف الضغط على العمود الفقري.
- تغيير الوضعية: حاول تغيير وضعية جلوسك بشكل متكرر. فالبقاء في نفس الوضعية لفترات طويلة يمكن أن يسبب إجهادًا لجسمك. قم بالوقوف والمشي لبضع دقائق كل نصف ساعة إلى ساعة.
- ضبط ارتفاع الكرسي: تأكد من أن الكرسي الذي تستخدمه مناسب لطولك. يجب أن يكون ارتفاع الكرسي بحيث تكون ركبتيك في نفس مستوى الوركين أو أعلى بقليل.
- رفع الشاشة إلى مستوى العين: إذا كنت تعمل على جهاز كمبيوتر، فقم برفع الشاشة إلى مستوى عينيك. حيث يساعد ذلك في الحفاظ على استقامة رقبتك وتجنب الانحناء للأمام.
- استخدام الأثاث الصحي: اختر الأثاث الذي يدعم جسمك بشكل صحيح. فعلى سبيل المثال، اختر كرسيًا يوفر دعمًا جيدًا للظهر، مع وسادة مريحة.
علاج آثار الجلوس لفترات طويلة
إذا كنت تقضي معظم يومك جالسًا، فمن المهم أن تخصص وقتًا لممارسة بعض التمارين لمواجهة الآثار السلبية للجلوس. وفيما يلي بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك:
- المشي: حاول أن تمشي لمدة 30 دقيقة على الأقل يوميًا. يمكنك تقسيم هذه المدة إلى فترات أقصر إذا لزم الأمر. سيساعدك المشي على تحسين الدورة الدموية وتقوية العضلات.
- تمارين التمدد: قم بممارسة تمارين التمدد بانتظام لتخفيف التوتر عن عضلاتك وتحسين مرونتك. ركز على مناطق الرقبة والظهر والساقين.
- تمارين التقوية: مارس تمارين التقوية، مثل تمارين البلانك وتمارين الأثقال، لتقوية عضلات الظهر والبطن. حيث تساعد هذه التمارين في دعم العمود الفقري وتحسين وضعية الجسم.
- الوقوف أثناء العمل: إذا أمكن، فكر في استخدام مكتب قابل للارتفاع يسمح لك بالعمل واقفًا لبعض الوقت. حيث يساعد ذلك في كسر روتين الجلوس المستمر.
- الحركة أثناء الجلوس: حتى أثناء الجلوس، يمكنك القيام ببعض الحركات البسيطة لتنشيط جسمك. فعلى سبيل المثال، يمكنك تحريك كتفيك ورقبتك بلطف أو ممارسة تمارين بسيطة للساقين.
نصيحة مجلة الطب
الجلوس هو جزء لا مفر منه من حياتنا اليومية، ولكن من المهم أن ندرك تأثيره على صحتنا. فمن خلال فهم المخاطر المرتبطة بالجلوس لفترات طويلة واتباع أوضاع جلوس صحية، يمكننا التخفيف من آثاره السلبية.
تذكر أن تحرص على الحركة قدر الإمكان، وأن تخصص وقتًا لممارسة التمارين الرياضية بانتظام. فهذا لن يساعد فقط في الحفاظ على صحتك الجسدية، بل سيحسن أيضًا من صحتك العقلية ومستويات طاقتك.
وأخيرًا، إذا كنت تعاني من أي آلام أو مشاكل جسدية مستمرة، فلا تتردد في استشارة أخصائي صحي للحصول على تقييم شامل لحالتك.