مع تقدم العمر، يواجه كبار السن العديد من التحديات الصحية، ومن بينها تعدد الأدوية والاستخدام غير المناسب لها. وقد أجريت العديد من الدراسات لبحث هذا الموضوع، وتسليط الضوء على المخاطر المرتبطة به. وفي هذا المقال، سنستعرض دراسة شاملة حول الاستخدام غير المناسب للأدوية وتأثيره على صحة كبار السن الذين تم إدخالهم إلى أقسام الباطنة، وتقييم العلاقة بينهما.
الخلفية وأهمية الدراسة
يشير "تعدد الأدوية" إلى استخدام خمسة أدوية أو أكثر في وقت واحد، بينما يُعرف "فرط تعدد الأدوية" باستخدام عشرة أدوية أو أكثر. من المتوقع أن يزداد انتشار هاتين الظاهرتين بشكل كبير في السنوات القادمة، مما يثير مخاوف بشأن الآثار السلبية المحتملة على صحة المرضى والاقتصاد الصحي. وقد تتراوح نسبة كبار السن الذين يتناولون أدوية غير مناسبة ما بين 11.5% إلى 62.5%، وهو ما يرتبط بتفاقم النتائج الصحية والاقتصادية. لذا، فإن تقييم هذه الممارسات الدوائية يساعد في تحديد الفئات الأكثر عرضة للخطر، وتصميم تدخلات فعالة للحد من استخدام الأدوية غير المناسبة.
تعتبر "معايير بيرز" من الأدوات الشائعة المستخدمة لتحديد الأدوية غير المناسبة لكبار السن، حيث تقدم قائمة بالأدوية التي ينبغي تجنبها أو استخدامها بحذر بسبب ارتفاع خطر الآثار الجانبية. غالبًا ما يكون المرضى الذين يتم إدخالهم إلى أقسام الباطنة أكثر عرضة لتعدد الأمراض والوهن، مما يزيد من احتمالية تعدد الأدوية واستخدام الأدوية غير المناسبة.
أهداف الدراسة
سعت الدراسة الحالية إلى تحقيق الأهداف التالية:
- تحديد مدى انتشار استخدام الأدوية غير المناسبة قبل وبعد دخول كبار السن إلى أقسام الباطنة.
- دراسة العلاقة بين استخدام الأدوية غير المناسبة وتعدد الأدوية.
- تحليل العوامل المرتبطة بزيادة احتمالية استخدام أدوية جديدة غير مناسبة بعد الخروج من المستشفى.
منهجية الدراسة
أُجريت هذه الدراسة الاسترجاعية على أساس بيانات سكانية لمرضى يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر تم إدخالهم إلى قسم الباطنة في المستشفى الوطني الجامعي في أيسلندا بين عامي 2010 و 2020. تم جمع بيانات استخدام الأدوية من السجل الوطني للأدوية الموصوفة، وتم تصنيف المشاركين إلى ثلاث مجموعات بناءً على عدد الأدوية التي تم صرفها في العام السابق للدخول والعام التالي للخروج:
- غير تعدد الأدوية: أقل من 5 أدوية.
- تعدد الأدوية: 5-9 أدوية.
- فرط تعدد الأدوية: 10 أدوية أو أكثر.
تم تقييم مدى انتشار استخدام الأدوية غير المناسبة بناءً على معايير بيرز لعام 2019. كما تم استخدام نماذج الانحدار لتحليل العلاقة بين المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والسريرية والدوائية، واحتساب احتمالات استخدام أدوية جديدة غير مناسبة.
أبرز النتائج
شملت الدراسة 55,859 مريضًا (48.5% ذكور) بمتوسط عمر 80 عامًا. أظهرت النتائج أن انتشار استخدام الأدوية غير المناسبة في العام السابق للدخول كان مرتفعًا بشكل ملحوظ، حيث بلغ:
- 34% بين المرضى الذين لا يعانون من تعدد الأدوية.
- 77.7% بين المرضى الذين يعانون من تعدد الأدوية.
- 96.4% بين المرضى الذين يعانون من فرط تعدد الأدوية.
بالإضافة إلى ذلك، تبين أن 46.7% من المرضى الذين لم يكونوا يتناولون أدوية غير مناسبة قبل الدخول، بدأوا في استخدام أدوية غير مناسبة جديدة بعد الخروج من المستشفى. وقد ارتبطت بعض العوامل بزيادة احتمالية استخدام أدوية جديدة غير مناسبة بعد الخروج، مثل:
- استخدام خدمات توزيع الأدوية متعددة الجرعات.
- الإصابة بالخرف.
- تعدد الأدوية وفرط تعدد الأدوية.
الأهمية السريرية
تؤكد هذه الدراسة على أهمية مراجعة وتقييم مدى ملاءمة استخدام الأدوية لدى كبار السن الذين يتم إدخالهم إلى أقسام الباطنة. كما تسلط الضوء على أن زيادة عدد الأدوية الموصوفة للمرضى يزيد من احتمالية استخدام أدوية غير مناسبة. بالإضافة إلى ذلك، تكشف الدراسة عن وجود علاقة بين خدمات توزيع الأدوية متعددة الجرعات واستخدام الأدوية غير المناسبة، مما يستدعي إعادة تقييم هذه الممارسة.
أظهرت الدراسة أيضًا أن المرضى الذين يتم إدخالهم إلى أقسام الشيخوخة أو يتم تحويلهم إليها يكونون أقل عرضة لتناول أدوية غير مناسبة عند الخروج من المستشفى، مما يؤكد أهمية التدريب المتخصص في رعاية كبار السن. وأخيرًا، توصي الدراسة بمتابعة المرضى المعرضين لخطر استخدام الأدوية غير المناسبة بعد الخروج من المستشفى، وإجراء مراجعة للأدوية من قبل مقدمي الرعاية الصحية.
مناقشة النتائج
أظهرت الدراسة أن انتشار استخدام الأدوية غير المناسبة قبل الدخول وبعده بين مرضى الباطنة المسنين أمر واسع النطاق، ويرتبط بشكل مباشر بزيادة تعدد الأدوية. ومع ذلك، لم تجد الدراسة علاقة بين استخدام الأدوية غير المناسبة والنتائج السريرية السلبية مثل الوفاة أو مدة الإقامة في المستشفى أو إعادة الإدخال، وهو ما يخالف الفرضية الثانوية للدراسة. قد يكون ذلك بسبب وجود عوامل متعددة تؤثر في النتائج السريرية، إضافة إلى تشابه الحالات المرضية بين المجموعات المدروسة.
قارنت الدراسة نتائجها بدراسات أخرى، ووجدت أن معدل انتشار استخدام الأدوية غير المناسبة في هذه الدراسة كان أعلى من الدراسات التي أجريت على مرضى العيادات الخارجية، وهو ما يعزى إلى أن هذه الدراسة أجريت على مجموعة من المرضى في المستشفى، وهم عادة أكبر سناً ويعانون من أمراض متعددة ويستخدمون أدوية أكثر.
نقاط القوة والقيود
تتميز الدراسة باستخدام سجل وطني مركزي للأدوية الموصوفة، مما يوفر معلومات مفصلة ودقيقة عن الأدوية المستخدمة. كما أن حجم العينة الكبير ووجود متابعة كاملة للمرضى يعتبران من نقاط القوة في الدراسة.
من ناحية أخرى، تعتمد الدراسة على بيانات الأدوية المصروفة، مما قد يؤدي إلى المبالغة في تقدير عدد الأدوية التي يتناولها المرضى فعليًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقييم العبء المرضي باستخدام التشخيصات قد لا يعكس بدقة شدة الأمراض الحقيقية.
الخلاصة والتوصيات
تؤكد هذه الدراسة على أن استخدام الأدوية غير المناسبة شائع بين مرضى الباطنة المسنين، وأن هناك علاقة قوية بين تعدد الأدوية وزيادة احتمالية استخدام أدوية غير مناسبة. توصي الدراسة بضرورة زيادة المتابعة ومراجعة الأدوية بعد الخروج من المستشفى، مع التركيز على الأدوية التي يجب استخدامها لفترة قصيرة أو الأدوية الجديدة التي تحتاج إلى إعادة تقييم. كما توصي بضرورة دعم انتقال الرعاية وتوفير المعلومات للمرضى ومقدمي الرعاية وأطباء الرعاية الأولية بشأن التغييرات التي تطرأ على الأدوية أثناء الإقامة في المستشفى.
الكلمات المفتاحية: كبار السن، فرط تعدد الأدوية، المشاكل المتعلقة بالأدوية، تعدد الأدوية، الأدوية غير المناسبة المحتملة.